قصة عاشق الشهادة
المــقـدمـــــــــــــــة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة. والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم 00 وبعد اكتب هذه الكلمات وفاء مني وامتنانا لزوجي وحبي له الثابت على مدى الحياة اكتب هذه الكلمات المتكونة من حروف لتكّون جملاً تنقل قصه واقعيه عشتها في ظل حياتي مع شخص يحمل في داخله القيم والأخلاق مما جعلني افتخر به حياً وميتاً أمام الآخرين،وأتمنى من الله أن تكون هذه الجمل بمثابة الشموع التي يستمد الجميع منها الضياء لحياتهم والاستفادة منها علماً بأن الشخص يستطيع الحصول على السعادة الأسرية إذا تمسك بالأمور التالية : ٌ
1ـالتمسك بمنهج الله تعالى وحسن الاختيار 0
2- الوفاء والإخلاص في جميع الأمور
3ـ الصبر وتحمل المشاق والتفاهم الدائم 0
4ـ الحب الصادق بين الزوجين الذي ينتج منه حب الأهل والأقارب من خلال الزيارات وصلة الأرحام وطاعة الوالدين0
5ـ التواصي على فعل الخير والالتزام بالطاعات من خلال المحافظة على الصلوات وقراءة القرآن وقيام الليل والصدقة والذكر وغير ذلك من الأعمال التي تضفي على الحياة نكهة خاصة قد لا يحصل عليها الآخرين0 سبب كتابتي لهذه الجمل المتواضعة
هو حباً لزوجي ووفاءً له وخاصه أنه انتقل إلى رحمة الله وما زال ولده محمد صغير لذلك أحببت أن أكتب عن والده لتكون هذه الكلمات بمثابة تعريف له عن والده الذي فارقه وهو مازال صغيراً سأكتب لتكون كينبوع يرتشف منه أجمل الصفات وأعظمها لأفتخر به كما افتخرتُ بأبيه فأنا لا أعرف ما تخفي له الأيام وأتمنى أن يعرف محمد من هو والده، وما هي الصفات التي كان يحملها، وما هي الطريقة التي كان يتعامل بها مع من حوله وكيف كسب حب الآخرين، وما هي الأمنيات التي كان يحلم بها أبوه له بالمستقبل رغم ما واجهه من الصعوبات والعقبات آملاً أن يكّون أسرة متماسكة مبنية على القيم الفاضلة الطاهرة ذكرها في الأرض والسماء وأتمنى من الله أن يعينني أن أُكمل المشوار الذي بدأه عبد الله وعلى نفس التنسق الذي كان يتمناه والذي أسأل من الله أن يوفقني على تحقيقه وألمسه في ولدي الصغير محمد حفظه الله ورعاه وأحقق فيه ما قاله صلى الله عليه وسلم
إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها ولدٌ صالح يدعو له )
إهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداء ــــ
إلى روح زوجي الحبيب الذي أحسن إليّ وعلمني وحبّب إليّ طلب العلم ــــ إلى ذلك القلب الذي أحبني واحتواني وصبر عليّ واحتملني ــــ إلى صاحب القلب الكبير والصدر الواسع والذي عشت في كنفه أجمل لحظات حياتي ولمست معه طعم السعادة ــــ إلى زوجي الذي لو بحثت عنه في كل بقاع الأرض ما وجدت مثله أبدا ــــ إلى والدي اللذان كانا عوناً لي في نجاح حياتي الزوجية ومساعدتي في تجاوز الكثير من الصعوبات التي واجهتني ــــ إلى ولدي الصغير محمد رعاه الله وأطال بعمره.. زهرة عمري ونور قلبي وقرة عيني الأبدية ــــ إلى كل من أحب عبد الله وأعانه على فعل الخير وكان دافعاً قوياً في تخطي كل عقبه واجهته في حياته عبد الله في سطور ولد عبد الله في العدين في بلاد المليكي سنة 1975م نشأ وترعرع في ظل أسرته الكريمة ،توفيت أمه وهو في السنتين من عمره ،تربى يتيم الأم فاقداً للحنان والحضن الدافئ قاسى كثيرا وحُرم أشياء كثيرة يحتاجها أي طفل في سِنّه بدأ دراسته الابتدائية و الإعدادية في العدين وبعدها قرر السفر من الريف إلى المدينة ثم عمل فيها لفترة ثم التحق بالمعسكر سنة 1994م وبالرغم أن عبد الله تربى يتيم الأم إلاّ أن فطرته الطبيعية أعانته على تكوين علاقة بينه وبين الله ،كما أن الظروف الصعبة التي مر بها صنعت منه رجلاً قوياً رائعاً أتسم بصفات جميلة ومنها :
1ـ طاعة الله تعالى وتمثلت في محافظته على النوافل والإكثار منها من صيام وصلاة
2ـ الصدقة التي كان دائماً يوصيني بها
3ـ بره بأبيه وصلة الأرحام الدائمة
4ـ الصدق والتعاون وبذل المعروف مع الغير
5ـ ابتسامته الدائمة التي لا تفارق وجهه أبداً رغم كل الظروف في فرح و حزن
أول لــقـــــــــاء__
كان عبد الله رحمه الله يعمل في مكان قريب من منزلنا ،وفي وقت فراغه كان يتردد على المحل الذي كان يعمل فيه والدي وأخي وهذا ما جعله أكثر جلوساً إلى والدي ليتبادل الأحاديث والكلام،وفي الغالب كان يعتمد عليه والدي في الاهتمام ببعض شُئون إدارة المحل وخاصة عند غيابه وغياب أخي وكنت أظل في المحل وأشارك في عملية البيع والشراء مع والدي منذ الصغر،فبدأ حبه لي حينها وذاق من السعادة ما جعله ينسى جميع ما لقيه في حياته من الشقاء والحرمان وكنت أغلى شئ عنده في الوجود وأعز ما يمتلكه ،فكان يقول لي عندما لقيتك عرفت الحب وتغيرت حياتي ولم أكن أرى شيئاً سواك كان يشعر في بعده عني أنه يعيش وحيداً فريداً وكل ما حوله غريب عنه على الرغم أنه كان يلتقي بي كل يوم في المحل ويقضي معي فترات طويلة ولكنه كان حريص على ألاّ أشعر بهذا الحب وكتم ذلك في قلبه خشية على حبه من أن يقضي عليه إذا لم يجد صدى في نفسي وفضّل الصمت مادام يعيش بالقرب مني وبعد فتره نفذ صبره وصارح أخي وبطريقه غير مباشره بالسؤال عني وطلب من أخي أن يسهل له الأمور في تيسير طريقة طلب زواجه مني وأن يكون هو الوسيط بيني وبينه فما كان من أخي إلا أن قال له إن شاء الله ما يحصل إلا كل خير وإذا هي من نصيبك فلا شئ يستطيع أن يردها عنك ،وبعد أيام ذكر له أخي ووالدي أنني أعاني من مرض وراثي وهو" تكسر بالدم " فلم يجعل والدي أن يكمل كلامه ورد أنه ليس بيدها وأنه من الله وأنا راضي بما كتبه الله لي ومقتنع بها ولا اعتراض على أمر الله وقد استخرت الله في ذلك ،وبعد فتره قرر زواج نفسه بنفسه واعتمد في ذلك على الله تعالى ولم يستعجل فقد تأنى في أمور ليكون أسرة مبنية على القيم والأخلاق الفاضلة ،كان يقول أن ليس للحياة معنى ولا للعيش جدوى إذا لم يكن فيها حبيب يملئ هذه الحياة بهجة ويجعل من العيش سعادة ونعيم ،وأكثر ما شجعني على موافقتي عليه ليكون لي زوجاً هو وصف أهلي له بأنه من أحسن الرجال أخلاقا صبور على مصائبه ،كتوم على نفسه ،فوجدت أنه قدوتي الذي يحمل من الصفات ما يسعدني والذي أحب أن أرآه في شريك حياتي ثم مرت فترت العرس على أحسن حال وحضر فيه الأحباب والأصحاب وعمت الفرحة الدار وشاركنا فيها القريب والبعيد ،عشت فترة متوسطة مع عبد الله وكان متنقلاً بين عمله ومعيشته معنا في سبيل توفير العيش الطيب والراحة لنا 0 كنت أسعد كثيراً بوجوده معنا ولكن ذات مرة فاجئني أنه يفكر في الذهاب إلى السعودية وكنت غير راضية عن سفره بعيداً عنا لأنني لم أتعود على فراقه وبخاصة أنه لم يكن يغيب لفترة طويلة كتلك الفترة التي سيقضيها في السعودية ولكنه وضح لي أنه سيكون على تواصل دائم معنا ولن يطيل الغربة هناك وسيأتي دائما ليزورنا ويتفقد أحوالنا بين فترة وأخرى0 استخرنا الله في تلك الغربة هل فيها خير لنا أم لا ؟ فاطمأنينا لخيار الغربة وبعدها قرر السفر إلى السعودية لتحسين وضعه المعيشي فأرسل له أخوه الأكبر التأشيرة التي كان يحلم بها 0 وبعد أن أستكمل إجراءاتها سافر وتركني وحيده أعاني ألم الفراق ولوعة الاشتياق ثم أستأنف بحياة جديدة في بلاد الغربة حياة المشاق والمصاعب والمتاعب والفراق عن أهله وأحبابه من جديد 0 عمل عبد الله في مطعم لفترة ولم يستقر فيه ثم أنتقل إلى العمل في بقاله متحملاً مرارة الغربة والحزن والأسى في نفسه من أجل تحقيق طموحاته ولم يقبل أن يكون رجلاً إتكالياً على أحد 0 ثابر وصبر معتمداً على الله في تحقيق أمنياته وكان يرى معونة الله له في أموره وهذا من أكثر وأعظم الأشياء التي كانت تدخل السرورعلى نفسه0 فكانت مدة اغترابه في أول مره هي سنتين ثم تناقصت في ما بقى من سنين غربته . كان عبد الله على تواصل دائم معنا من ناحية الإتصالات التي كنت أشعر منها أنه بجانبي رغم بعده عني، وكذلك من ناحية المصاريف أو الرسائل التي لا تنقطع وغير ذلك من الأمور الضرورية كان يتألم كثيراً لفراق الأهل والأحباب وخاصة أن السنين تمر والعمر يذهب وفترة الشباب لم يستمتع بها ولكن من طبيعة النفس البشرية أن تشتاق إلى موطنها الذي عاشت فيه بالرغم من أنه كان يسافر إلينا دائماً ليطمئن علينا ويتفقد أحوالنا 0 ففكر حينها في أن يؤمّن مستقبله في وطنه الحبيب بدلاً من الغربة وكانت نيته قوية جداً ويهدف إلى عمل مشروع تجاري بسيط وبعد أن استخار الله واستشارني أعجبت بالفكرة ولكن ما يحتاج إليه المشروع هو رأس المال الذي سيقوم عليه وساندته في ذلك الوقت لأني لا أهنأ العيش بدونه ومستعدة أن أضحي بأموال الدنيا ليعيش بالقرب مني ،ووفّر المبلغ المطلوب والبسيط بعون من الله تعالى وبتشجيع مني وممن حوله وفتح المحل وكان على يقين تام بأن الله لن يخيبه وخاصةً أنه قام على استخارة واستشارة وعرفت حينها أنه لا مستحيل مع التصميم والإرادة القوية 0 بدأ المشروع بكفاح ومثابرة وصبر وكان يمتلك سعة صدر وكنت أراه يتحمل من الأعباء والهم الكبير في سبيل نجاح المشروع وكنت واثقة منه تماماً لأن عبد الله إنسان قوي وناجح في حياته ويعرف كيف يديرأعماله0 ضليت أدعو الله تعالى أن يبارك له ويوفقه وييسر له العمل لتحصيل العيش الهنيء والرزق الحلال لأنه يحب أن يأكل من عمل يده فعرفت حينها أن نتيجة الصبرهو الفلاح ونتيجة الشكر لله تعالى الزيادة 0 استمر في التجارة بالسنة الأولى بشكل متوسط وميسر،ثم جاءت السنة الثانية وبدأ العمل يضعف فيها بسبب الظروف والمشاكل التي حصلت لنا في أيام الثورة فكان يقول خير وبركة والحمد لله على ذلك ،كان كثير الدعاء متفائلاً على حد كبير جداً حتى بخروج الشباب إلى الساحات يردد بأنه الممر الوحيد للخروج لليمن واليمنيين من هذا النفق المظلم نفق الاستبداد وحكم العصابة التي تمتص ثروات البلاد وخيراتها , وفي الوقت الذي كان يتبرّم فيه بعض أصحاب الأعمال والمصالح من خروج الشباب إلى الساحات يتجلى عبد الله هزاع بشخصيته المتفائلة ويقول : سنخرج لنبحث عن حياة كريمة لنا ولأولادنا لأنه لو كان خرج آبائنا من قبل لكنّا في عيش أفضل من هذا العيش لكن سكوت آبائنا وأجدادنا أوصلنا إلى هذا الحال فلو سكتنا لازداد الأمر سوءاً ,لكن نحن الآباء سنتحول إلى مشاريع موت ليحيا أبنائنا حياة كريمة أشعرني تفائلة بالراحة التامة ،وكان يحلم أن يعوض كل الأشياء التي حُرم منها في طفولته من تعليم وصحة وراحة في ولده محمد ،كان يتمنى أن يرى ولده محمد رجلاً ناجحاً ومثقفاً محباً لوطنه ملتزماً بالقيم والأخلاق الفاضلة التي سيرفع بها رؤوسنا أمام الجميع0 كان يقول لي إن شاء الله لما تنتصر الثورة سوف أعوضك أنتي وولدي محمد 0 حلم عبد الله بإقامة الكثير من المشاريع ومن ضمنها بحسب ما تسمح له الظروف أن نؤدي فريضة الحج والعمرة والتي كان دائماً يحلم بها ويتمناها، وكذلك بناء بيتاً يحتوينا ونستقر فيه وغير ذلك من الأحلام والآمال التي كنّا نتمناها 0 فكنت سعيدة لأحلامه وطموحاته مما جعلني أتشوّق إلى ذلك اليوم الذي سنُحقق فيه هذه الأحلام
حــــــــــدث وفـعـــــــــل
بدأت أحداث الثورة اليمنية في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية يوم 11ـ2ـ2011م ومنها محافظة "تعز" فكان الشهيد عبد الله رحمه الله من أولئك الأوائل الثائرين ومن الرجال الناشطين والذين تهمهم نجاح الثورة ثورة الشباب الشعبية السلمية،في حينها قرر عبد الله السفر إلى السعودية لتجديد الإقامة سافر بجسده تاركاً روحه في أرض الوطن وأحاسيسه كلها في الثورة الكريمة ،جلس في السعودية لمدة شهرين ونصف ولكنه كان متابعاً للأحداث أولاً بأول 0 كان يتألم كثيراً للمآسي التي حدثت في تلك الفترة ،وكان يطلب مني ألاّ أتهاون في تقديم المساعدات المختلفة والمشاركة والخروج لنصرة الحق 0 وأكثر ما آلمه وأشعره بالحزن الشديد تلك المحرقة التي حدثت للساحة ساحة الحرية في تعز وتمنى لو كان موجوداً في ذلك الوقت لتقديم العون والمساعدة والموت على الشهادة 0 استمرت الاتصالات للسؤال عن الأحداث الحاصلة في الساحة وفعلاً كانت مأساة عشنا آلامها وأحزانها ومرارتها 0 وفي تاريخ 9ـ7ـ2011م وقعت حادثة قصف منزلنا بالقذائف في الساعة الثامنة والنصف مساءً بعد صلاة العشاء فشعرنا حينها بالخوف والهلع والوحدة وخاصة أننا لم نحظى بوجود رجل في المنزل يقوم علينا ويشعرنا بالأمان فوالدي كانا مسافران إلى مصر وأخي مغترب في السعودية وعندما وصل الخبر إلى السعودية أول من بادر بالحجز والسفر إلينا هو عبد الله ليظل إلى جانبنا والاهتمام بنا وأن يكون مطمئن علينا وهذا أشعرني وأشعر أهل البيت جميعاً بمقدار حب عبد الله وخوفه علينا وحنان قلبه ورجولته وشهامته وإحساسه بالمسؤولية التي افتقدناها كثيراً بعد رحيله عنا لقد عمل عبد الله جاهداً في سبيل دعم الشباب وثورتهم سواء مادياً أو جسدياً وكان لا يتوانى عن تقديم المساعدات متى طلبت منه وتقديم العون الدائم وأكثر ما تميز به الشهيد في تلك الفترة :
1ـ تقديم المساعدات المختلفة للشباب سواء عينيه أو معنوية 0
2ـ في حين يعجز عليه تقديم العون يصبح عبد الله حلقة وصل بين التجار وبين مطالب الشباب0
3ـ يجعل من وقته جزء في سبيل نصرة الثورة الطاهرة لأنه يعتبره واجب وطني عظيم ومنتظر من الله أن يعجل بنصره ويغمر اليمن بالأمن والأمان
4ـ كان عاملاً محفزاً للمشاركة في المسيرات وإكثار السواد الثوري 0
5ـ كان ثائراً وقائداً من الأوائل في نشر العمل الدعوي ورجلاً سياسياً ومثقفاً ومطلّع على أحوال بلده أولاً بأول
6ـ كان جاهزاً لحدوث أي طارئ بما ينفع نفسه وغيره وخاصة أثناء المسيرات 0
7ـ لا يكتفي بإقناعه لنفسه وإنما يسعى دائماً لإقناع من حوله بالأفكار الصحيحة والخيرية والثورية 0
8ـ كان لا يتأثر باستعراض قوى الشر وتهديدها باستئصال الساحات وكان يقول هم أوهن وأضعف من أن يبلغوا درجة الإضرار بالثوار0
9ـ كانت روحه الثورية عالية فقد كان يحمل هم الثورة والثوار في جميع ساحات الجمهورية ،فتراهُ يسأل عن أحوال الثوار ويتواصل معهم هاتفياً ويوصيهم بالثبات والصبر0
10ـ كان عكس غيره من الشباب إذا داهم الشر الكل يتضايق فيه إلاّ عبد الله يقول فيه خير إن شاء الله 0
وداع قبل وداع__
قبل وفاته كان دائماً يحدثني عن الموت وأن هذه الدنيا ما هي إلا فانية ، كان يتمنى الشهادة ويرددها بكثرة وكان يقول لي افتخري إذا أنا مت شهيد فستكوني زوجتي في الدنيا والآخرة وستكوني أول من أشفع لهم من السبعين من أهلي0 وكان يقول لي أعتقد أني إذا مت لن يتأثر ولدي محمد بموتي بقدر ما سيتأثر بموتك أنت، فقلت له :لا تقل ذلك فكلانا نمثل شخص واحد0 وقبل موته كذلك اتصل بأخوه الأكبر في وقت المسيرات وطلب من أخيه الاهتمام بولده محمد لأنه توقع عدم عودته من تلك المسيرة0 وكذلك كان من اتصالاته لأحد زملائه يدعى عبده حمود يوصيه بولده خيراً كان يشعر بأن وقت رحيله قد دنى
وقبل موته بشهر ونصف كتب لي رسالة في الجوال يقول فيها : فهمستُ في تلفونها لا تحزني قد لا أعود وقد أعود مكرّما يا حبُ معذرةً فإن حبيبتي والثورةُ الكبرى بقلبي توأما لن أبرح الساحات لن أنسى التي تبكي أنا شيدي لأشربها ظما في ساحة التغير عيد عاشق يشدو وعيد ثائر يرجو السماء فشعرت حينها بالحزن و أحسست أنه سوف يفارقني وسأكون زوجة الشهيد التي كان دائماً يرددها لي وكان يقول لي : افتخري بهذه الشهادة وسترتاحين أنت وولدي محمد من بعدي فقلت له: ما هذه الراحة؟هل الراحة في أن يصبح ولدك يتيم وأنا أرملة؟من سيعوضنا حنانك وحبك؟ ومن الذي سيأتي مثلك أو أحسن منك ؟ فأكد لي أنني سأرتاح أنا وولده وكأنه واثق من كلامه0 وكان يتحدث لي بأشياء كثيرة كأنه يعلم أنه سيفارق الحياة ولم أكن أعلم أن وقت رحيله قد دنى 0 فحزّت هذه الكلمات في نفسي إلى الآن، فلقد عاش وفياً ومات وفياً رحمةٌ الله عليه وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ،فلقد كان زوجاً وأباً وأماً وأختاً وأخاً وصديقاً بالنسبة لي وقبل موته حكى لي قصة حياته التي بدأها معي وعن أشياء كثيرة على غير المعتاد وقبل موته أيضاً أصر على سفري أنا وولدي محمد إلى محافظة إب لكي نشعر بالأمان وخاصةً أن محمد كان يخاف كثيراً من صوت القذائف والرصاص وقد كان يطلب من والده أن نسافر جميعاً إلى إب ومن جهة أُخرى يحب أن يطمئن علينا وتهدأ حالت ولده النفسية ،وأيضاً كان يراني شديدة القلق عليه وحريصةً على ألاّ يخرج وأحاول بقدر الإمكان أن يمكث في البيت وكأنه يريد أن يتخلص من الجواذب الأرضية والشوائب والعوائق التي تعيق سيره إلى الله تعالى وإلى الآخرة 0 فطلب مني السفر وكان في تلك الفترة قد أتصل به أخوه من السعودية بـأن يعقد لابنته ويتكلف بتجهيزها كولي أمرها، لأن والدها لم تسمح له الظروف بأن يسافر ليجهزها فرفضتُ أنا السفر ولكنه ترجاني وطلب مني تجهيز ابنة أخيه وشراء ثياب العرس وهو سيلحق بنا، ترجيته كثيراً على أن يسافر معنا فرفض ذلك، كانت أيامه الأخيرة وصايا كأنه راحل0 حينها أتى خالي لزيارتنا في يوم الأربعاء الموافق 9/11/2011م ففرح عبد الله بزيارتهم وطلب مني السفر معهم وأصر على ذلك ، فسافرت حينها عصراً وودعته وداعاً كأني لن أراه بعدها ودعته وقلبي يخفق من شدة الحزن والألم لفراقه وبُعده عني وكنت أنظر إليه والدموع تنحدر من عيناي فقلت له : أني غير مرتاحة بهذا السفر وقلبي غير مطمئن وعمري ما سافرت مكان إلاّ وارتحت فيه ما عدا سفري هذا شعرتُ بالخوف والقلق الكبير عليه وعلى من في البيت وقلت له:الله يعلم أني سأراك وأسمع صوتك مرةً أخرى أم لا ؟ فرد علىّ: لا تخافي ما يصير لنا حاجة الإنسان يأخذ ما هو مكتوب له ، أخبرني أنهُ سيتصل بي كل يوم وأن أخذ معي صورته كلما يتصل بي أُخرج الصورة وأنظر إليها وما هي إلاّ أيام وسوف أُسافر إليكم ، وعند ركوبي السيارة وبدأتُ بالتحرك إلاّ وطلبت منهم التوقف لأنزل فلقد نسيت شئ ، أصر خالي بعدها على عدم نزولي ولكنّي أصريتُ على ذلك فنزلتُ وناديت عبد الله ونظرتُ إليه نظرةً أخيرة وودعتهُ وداعاً حاراً وطلبتُ منهُ المسامحة والانتباه على نفسه وأن يسارع بالسفر إلينا بأقرب وقت0 خرج لتوديعي أنا وولده وكانت نظراته إلى أخر اختفاء السيارة عن نظره ،سافرتُ حينها والحزن يملؤ قلبي وظليت أدعوا الله في سفري بأني استودعتهُ زوجي وأبي وأمي وأهلي فاحفظهم يا ربي واصرف عنهم كل مكروه ، ونحن في الطريق قال لي خالي الأكبر: لماذا ياابنة أختي تسافري من غير زوجك ؟ وقال خالي الأخر: اتصل يا محمد وكلّم عبد الله لماذا يسمح لزوجته تسافر من غيره ؟ كنت منزعجة من كثر الكلام الذي يقال أمامي فقلت لهم : أنا سافرت وهو مقتنع بسفري 0 ثم أتصل به خالي الأكبر وقال له : لماذا يا نسب تسمح لزوجتك تسافر من غيرك وأضاف مازحاً معه سوف أخذها معي إلى صنعاء وبعدها تعال ابحث عن زوجتك0 فرد عليه المرحوم : أنا راضي لها وهي مع أخوالها ، دعوها ترتاح بسفرها وجلوسها في إب وأنا سوف ألحق بها 0 وصلنا إلى إب في وقت المغرب وعند وصولنا إلى البيت اتصل بي عبد الله وقال لي: الحمد لله على السلامة ؛ كيف صحتك أنتِ وولدي محمد ؟ لا تنزعجين من كلام أخوالك ولا تقلقي ولا تخافي علينا انتبهي على نفسك وعلى ولدي محمد وخذي راحتك وإذا احتجتِ أي شئ أخبريني وما هي إلا أيام وسوف أُسافر إليكم 0 وفي اليوم التالي يوم الخميس الموافق 10/11/2011م اتصل بي وأخبرني أن القصف على مدينة تعز يزداد وخاصةً في حارة الروضة فخفتُ عليه وسألتهُ أين أنت؟ فقال : إنهُ في العمل فطلبتُ منهُ البقاء في مكان عمله ولا يعود إلى البيت لأن المكان غير آمن في البيت وخاصةً في حارة الروضة لأن القصف كان عشوائي وبكثرة في تلك الفترة ، فقال لي : لا تخافي لن يصيبنا أي شئ 0 ترجيتهُ ألاّ يذهب إلى البيت ، فرفض وأصر على ذهابه خوفاً على من في البيت وكان الخوف والقلق يقتلاني ، وكنت أتصل بهم من حين لآخر إلى أن أتى الليل وشعرتُ أن الكل في المنزل والجميع بخير والحمد لله ، ولكن كنت في حاله لا يعلمها إلا الله تعالى في كربة وقلق وضيق ، جسد من غير روح لأن روحي كانت معهم فكنت على اتصال مع زوجي من حين إلى آخر إلى أن أتت الساعة الواحدة ليلاً فسألته عن صحتهِ ؟ ومتى سيأتي إلينا؟ ثم تحدثنا عن أشياء حلوة في حياتنا واسترجعنا فيها ماضينا الجميل وفي آخر كلامه معي طلب مني أن ادعوا الله أن يلطف به وأن يجمعني به على خير ، فكان الكلام والحوار مستمر وخاصةً أنه يقول لي بعد أن تنتصر الثورة سوف أُعوضك أنت وولدي وسأتفرّغ لكم وأُوفّر لكم العيش الهنيء والراحة التامة ، وبالرغم أنهُ لم يكن مقصراً معنا نهائياً ، ثم قال لي بعدها : التزمي الرقية والذكر ليحفظك الله من كل مكروه وكذلك لا تنسي ولدي محمد فقلتُ لهُ : إن شاء الله وأنتَ كذلك لا تنساني من دعواتك ، وإن شاء الله تعالى لن يحرمنا الله من بعضنا البعض 0 بعدها أخبرتهُ أن ملابسهُ جاهزة ومرتبة خاصةً التي يرتديها يوم الجمعة كما هو المعتاد مني فقال لي :أنا أعرف أنكِ لم ولن تقصّري معي في شئ ، وشكرني على اهتمامي به وعلى حرصي الشديد على راحته وطلبتُ منهُ أن يستعجل بالسفر إلينا فرد عليّ (إن شاء الله تعالى سأكون عندكم في أقرب وقت ) كانت هذه آخر كلمات سمعتها منه في تلك الساعة، وفي تلك الليلة 0
يتبع______________>